-A +A
مساعد بن محمد العتيبي
للحقيقة وجوه متعددة، منها ما ظهر ومنها ما بطن، ما ظهر منها هو الممكن والمتاح للبشر، وما بطن من علم الله. وتأسيساً عليه يبقى إدراك الحقيقة المطلقة للحق المطلق.. وهو الله سبحانه وتعالى..
مبعث هذا التقديم، ما تناوله بعض الكتاب الأفاضل، في الصحافة المحلية، ومنتديات «الإنترنت» بمناسبة الاحتفالات التي أقامتها بعض القبائل لـ«مزاين الإبل» وما سيقام منها لاحقاً، وما صاحب هذه الاحتفالات من مناشط وفعاليات، بات معها عنوان الاحتفالات، جزءاً من برامج هذه الفعاليات.

أقول اطلعت على بعض من هذه الكتابات. وقد اتسمت في غالبها بقدر من الحدية، وانطوت على مصطلحات عامة، وُضعت كمشجب للتوجس، والاسترابة، وتشي في ذات الوقت بقدر من محاولة التأثير عليها مثل -النزعة القبلية، والعصبية- ومنهم من تجاوز ذلك إلى حد القول إن مثل هذه المناسبات قد تكون مهددة للوحدة الوطنية.. وأحسن الظن في كل من كتب، وأحسب أنه يتناول وجهاً للحقيقة، وقد يقرأ هذا الوجه بأكثر من قراءة.
أود هنا أن أتناول هذا الموضوع من وجه آخر، على نحو أرجو أن يضيء بعضاً من «الزوايا» وذلك من خلال:
* ليس في الاحتفال بمزاين الإبل أي غرابة، فكثير من مدن العالم تقيم مهرجانات، وكرنفالات، تستمر أياماً. في كل عام، كالاحتفال بموسم الربيع، أو بداية موسم الطماطم، أو مصارعة الثيران، وغيرها كثير ليس هنا محل لبسطها، وتعدادها.. لم يُنظر إليها فيما أعرف بهذا القدر من الخيفة، والتوجس، بل نُظر إليها كقناة استثمارية، يتداخل فيها الثقافي بالسياحي بالاقتصادي فَلِم الغرابة؟ ولماذا لا نمنح زامر حينا قدراً ونصيباً من الثقة «ليطربنا».
* تابعت بعض الاحتفالات التي أقامتها بعض القبائل لذات الغرض، ولم ألحظ من وجهة نظري حضوراً للنزعة القبلية، أو العنصرية.. ولعل المتأمل لقصائد الشعر التي ألقيت في هذه الاحتفالات يرى مسلكاً جديداً في شعر الفخر، وهو من أوسع أبواب الشعر العربي ذلك أن الشاعر يستهل قصيدته بالثناء على موحد البلاد وحكامها ثم يمتدح قبيلته، ويشرك القبائل الأخرى.
بعكس ما درج عليه بعض الشعراء العرب في الجاهلية، وفي العصر الأموي فيما عُرف -بشعر النقائض.. هذا فيما يتصل بشعر النظم، أما المحاورة أو القلطة والعرضة، فهذا النوع من الشعر لا يخضع لمقاييس -شعر النظم- ذلك أنه يعتمد على التلقائية ويوظف الرمز لمعناه المراد وهذا ما يكسبه جاذبية وحضوراً عند المهتمين به.
* أما من قال إن مثل هذه الاحتفالات قد تنال من الوحدة الوطنية فنحسن الظن به، ونضع ذلك من باب الحرص والخوف عليها، وما من عاقل لا يشاطره هذا الخوف -لو كان في محله لاقدر الله- لكن من الجانب الآخر، انظر إلى أن وحدتنا الوطنية ليست جداراً قصيراً يمكن القفز عليه، وليست أيضاً من البساطة والهشاشة بحيث يمكن أن تؤثر فيها أو عليها مثل هذه الاحتفالات.. فهي قوية ومتينة بإذن الله بقوة أبناء هذه البلاد والتفافهم حول قيادتهم وولاة أمرهم.
* أما بالنسبة لمزاين قبيلة عتيبة والذي ستبدأ فعالياته غداً، وتنتهي في العشرين من هذا الشهر، فمن المبكر الحكم له أو عليه، قبل انتهاء فعالياته، لكن ما أعرفه من خلال القائمين عليه أن ما يركزون عليه ويؤكدونه يتمثل في ثوابتنا الدينية والوطنية والعمل على تعميقها وترسيخها، وعدم المساس بها أو النيل منها.. ولا أزيد على ذلك وأكرر أن من المبكر الحكم الآن قبل انتهاء فعالياته، وهذا في ذات الوقت دعوة للكتاب والمثقفين، للمتابعة والرصد، من خلال حضورهم أو من خلال قنوات الإعلام المختلفة.
* إن الحديث عن النزعة القبلية، يقود إلى الحديث عن القبيلة، فهي مكون من مكونات المجتمع السعودي، لا يمكن إنكارها وهي طيف من أطياف المجتمع، فاتساع رقعة البلاد، وتنوع سكانها، هو مصدر ثراء لنعمل على الاستمرار في توظيفه واستثماره لترسيخ وتعميق الوحدة الوطنية.. وانظر أيضاً إلى ما كُتب سواء كان مع أو ضد هذه الاحتفالات على أنه نوع من «الحراك الثقافي».
مع التسليم أن الكتابة في مثل هذه المواضيع حيث «يختلط فيها السياسي بالثقافي بالاجتماعي» تحتاج إلى قدر من الموضوعية والحياد، والأمانة العلمية. فلا ننظر للقبيلة تحديداً على أنها لازالت في وضعيتها التي كانت عليه قبل «التوحيد» بل بعد التوحيد، فرياح التغيير التي قادها المؤسس غفر الله له شملت الجميع، ويبرز بصورة أظهر على القبيلة التي انتقلت من حالة الجهل إلى العلم، ومن التخلف إلى التحديث، ومن التشرذم إلى الوحدة. والشواهد أكثر من أن أحصيها هنا.
أعاود القول إلى ما بدأت وأؤكد على أن هذه قراءة بوجه من وجوه الحقيقة. وتبقى وجوه أخر تحتاج إلى قراءات متعددة لكن على طريقة الإمام مالك رضي الله عنه: «كل يريد الجنة، وكل له طريق».
* إضاءة :
لشاعرنا العربي القديم، بيت من الشعر، اشتهر وظهر تجرأت بإيحاءٍ من صديق عزيز على تحريفه ليظهر هكذا وما أنا إلا من غزية إن غوت.
«نَهَيْتُ»
وإن ترشد غزية أرشد
* مدير شرطة الطائف سابقاً